قصائد وأشعار

قصيدة رثاء الاب بالفصحى

يعتبر فقدان الأب بمثابة كسرة الظهر الأولى لأبنائه، ويعتبر فقدانه خسارة عظمى تعتصر لها القلوب،  فالأب هو مصدر  الحماية والرعاية والأمان، وهو القدوة الاولى لأولاده،  وهو مصدر السلطة وبه يتحقق التكامل الأسري، وهناك قصيدة رثاء الاب بالفصحى، كتبها العديد من الشعراء الذين عبروا بالرثاء، الذي يعد واحدٌ من أبرز أشكال الشعر العربي القديم عن حزنهم لموت والدهم.

وخلال السطور القادمة من هذا التقرير نعرض قصيدة رثاء الاب بالفصحى، بالإضافة إلى عرض  أبرز النماذج التي قيلت في رثاء الاب، من شعر أحمد شوقي وإيليا أبو ماضي، وذلك على النحو التالي.

قصيدة رثاء الاب بالفصحى

من أبرز القصائد التي كتبت في رثاء الأب ما كتبه أمير الشعر أحمد شوقي حين رثى والده بالفصحى قائلا :

سَأَلوني لِمَ لَم أَرثِ أَبي

وَرِثاءُ الأَبِ دَينٌ أَيُّ دَين

أَيُّها اللُوّامُ ما أَظلَمَكُم

أَينَ لي العَقلُ الَّذي يُسعِدُ أَين

يا أَبي ما أَنتَ في ذا أَوَّلٌ

كُلُّ نَفسٍ لِلمَنايا فَرضُ عَين

هَلَكَت قَبلَكَ ناسٌ وَقُرى

وَنَعى الناعونَ خَيرَ الثِقَلَين

غايَةُ المَرءِ وَإِن طالَ المَدى

آخِذٌ يَأخُذُهُ بِالأَصغَرَين

وَطَبيبٌ يَتَوَلّى عاجِزاً

نافِضاً مِن طِبَّهُ خُفَّي حُنَين

إِنَّ لِلمَوتِ يَداً إِن ضَرَبَت

أَوشَكَت تَصدَعُ شَملَ الفَرقَدَين

تَنفُذُ الجَوَّ عَلى عِقبانِهِ

وَتُلاقي اللَيثَ بَينَ الجَبَلَين

وَتَحُطُّ الفَرخَ مِن أَيكَتِهِ

وَتَنالُ البَبَّغا في المِئَتَين

أَنا مَن ماتَ وَمَن ماتَ أَنا

لَقِيَ المَوتَ كِلانا مَرَّتَين

نَحنُ كُنّا مُهجَةً في بَدَنٍ

ثُمَّ صِرنا مُهجَةً في بَدَنَين

ثُمَّ عُدنا مُهجَةً في بَدَنٍ

ثُمَّ نُلقى جُثَّةً في كَفَنَين

ثُمَّ نَحيا في عَلِيٍّ بَعدَنا

وَبِهِ نُبعَثُ أولى البِعثَتَين

اِنظُرِ الكَونَ وَقُل في وَصفِهِ

كُلُّ هَذا أَصلُهُ مِن أَبَوَين

فَإِذا ما قيلَ ما أَصلُهُما

قُل هُما الرَحمَةُ في مَرحَمَتَين

فَقَدا الجَنَّةَ في إيجادِنا

وَنَعِمنا مِنهُما في جَنَّتَين

وَهُما العُذرُ إِذا ما أُغضِبا

وَهُما الصَفحُ لَنا مُستَرضِيَين

لَيتَ شِعري أَيُّ حَيٍّ لَم يَدِن

بِالَّذي دانا بِهِ مُبتَدِأَين

وَقَفَ اللَهُ بِنا حَيثُ هُما

وَأَماتَ الرُسلَ إِلّا الوالِدَين

ما أَبي إِلّا أَخٌ فارَقتُهُ

وُدُّهُ الصِدقُ وَوُدُّ الناسِ مَين

طالَما قُمنا إِلى مائِدَةٍ

كانَتِ الكِسرَةُ فيها كِسرَتَين

وَشَرِبنا مِن إِناءٍ واحِدٍ

وَغَسَلنا بَعدَ ذا فيهِ اليَدَين

وَتَمَشَّينا يَدي في يَدِهِ

مَن رَآنا قالَ عَنّا أَخَوَين

نَظَرَ الدَهرُ إِلَينا نَظرَةً

سَوَّتِ الشَرَّ فَكانَت نَظرَتَين

يا أَبي وَالمَوتُ كَأسٌ مُرَّةٌ

لا تَذوقُ النَفسُ مِنها مَرَّتَين

كَيفَ كانَت ساعَةٌ قَضَّيتَها

كُلُّ شَيءٍ قَبلَها أَو بَعدُ هَين

أَشَرِبتَ المَوتَ فيها جُرعَةً

أَم شَرِبتَ المَوتَ فيها جُرعَتَين

لا تَخَف بَعدَكَ حُزناً أَو بُكاً

جَمَدَت مِنّي وَمِنكَ اليَومَ عَين

أَنتَ قَد عَلَّمتَني تَركَ الأَسى

كُلُّ زَينٍ مُنتَهاهُ المَوتُ شَين

لَيتَ شِعري هَل لَنا أَن نَلتَقي

مَرَّةً أَم ذا اِفتِراقُ المَلَوَين

وَإِذا مُتُّ وَأودِعتُ الثَرى

أَنَلقَّى حُفرَةً أَو حُفرَتَين

قصيدة رثاء الاب بالفصحى لإيليا ابو ماضي

ومن أعذب وأجمل الكلمات التي قيلت في رثاء الأب ما كتبه إيليا أبو ماضي حين قال :

طَوى بَعضَ نَفسي إِذ طَواكَ الثَرى عَنّي

وَذا بَعضُها الثاني يَفيضُ بِهِ جَفني

أَبي خانَني فيكَ الرَدى فَتَقَوَّضَت

مَقاصيرُ أَحلامي جَبَيتٍ مِنَ التِبنِ

وَكانَت رِياضي حالِياتٍ ضَواحِكاً

فَأَقوَت وَعَفَّ زَهرَها الجَزَعُ المُضني

وَكانَت دِنانِيَ بِالسُرورِ مَليأَةً

فَطاحَت يَدٌ عَمياءُ بِالخُمرِ وَالدَنِّ

فَلَيسَ سِوى طَعمِ المَنِيَّةِ في فَمي

وَلَيسَ سِوى صَوتِ النَوادِبِ في أُذُني

وَلا حَسَنٌ في ناظِرَيَّ وَقَلَّما

فَتَحتَهُما مِن قَبلُ إِلّا عَلى حُسنِ

وَما صُوَرُ الأَشياءِ بَعدَكَ غَيرَها

وَلَكِنَّما قَد شَوَّهَتها يَدُ الحُزنِ

عَلى مَنكبي تِبرُ الضُحى وَعَقيقُهُ

وَقَلبِيَ في نارٍ وَعَينايَ في دُجنِ

أَبَحتُ الأَسى دَمعي وَأَنهَبتُهُ دَمي

وَكُنتُ أُعِدُّ الحُزنَ ضَرباً مِنَ الجُبنِ

فَمُستَنكِرٌ كَيفَ اِستَحالَت بَشاشَتي

كَمُستَنكِرٍ في عاصِفِ رَعشَةِ الغُصنِ

يَقولُ المُعِزّي لَيسَ يُحدي البُكا الفَتى

وَقَولُ المُعِزّي لا يُفيدُ وَلا يُغني

شَخَصتُ بِروحي حائِراً مُتَطَلِّعاً

إِلى ما وَراءِ البَحرِ أَدنو وَأَستَدني

كَذاتِ جَناحٍ أَدرَكَ السَيلُ عِشَّها

فَطارَت عَلى رَوعٍ تَحومُ عَلى الوَكنِ

فَواهاً لَو اِنِّيَ كُنتُ في القَومِ عِندَما

نَظَرتَ إِلى العَوّادِ تَسأَلُهُم عَنّي

وَيا لَيتَما الأَرضُ اِنطَوى لي بِساطُها

فَكُنتُ مَعَ الباكينَ في ساعَةِ الدَفنِ

لَعَلّي أَفي تِلكَ الأُبُوَّةَ حَقَّها

وَإِن كانَ لا يوفى بَِكَيلٍ وَلا وَزنِ

فَأَعظَمُ مَجدي كانَ أَنَّكَ لي أَبٌ

وَأَكبَرُ فَخري كانَ قَولُكَ ذا إِبني

أَقولُ لَوَ أَنّي كَي أُبَرِّدَ لَوعَتي

فَيَزدادُ شَجوي كُلَّما قُلتُ لَوَ أَنّي

أَحَتّى وَداعُ الأَهلِ يُحرَمُهُ الفَتى

أَيا دَهرُ هَذا مُنتَهى الحَيفِ وَالغَبنِ

أَبي وَإِذا ما قُلتُها فَكَأَنَّني

أُنادي وَأَدعو يا مَلاذي وَيا رُكني

لِمَن يَلجَءُ المَكروبُ بَعدَكَ في الحِمى

فَيَرجِعَ رَيّانَ المُنى ضاحِكَ السِنِّ

خَلَعتَ الصِبا في حَومَةِ المَجدِ ناصِعاً

وَنُزِّهَ فيكَ الشَيبُ عَن لَوثَةِ الأَفنِ

فَذِهنٌ كَنَجمِ الصَيفِ في أَوَّلِ الدُجى

وَرَأيٌ كَحَدِّ السَيفِ أَو ذَلِكَ الذِهنِ

وَكُنتَ تَرى الدُنيا بِغَيرِ بَشاشَةٍ

كَأَرضٍ بِلا ماءٍ وَصَوتٍ بِلا لَحنِ

فَما بِكَ مِن ضُرٍّ لِنَفسِكَ وَحدَها

وَضِحكُكَ وَالإِناسُ لِلجارِ وَالخِدنِ

جَريءٌ عَلى الباغي عَيوفٌ عَنِ الخَنا

سَريعٌ إِلى الداعي كَريمٌ بِلا مَنِّ

وَكُنتَ إِذا حَدَّثتَ حَدَّثَ شاعِرٌ

لَبيبٌ دَقيقُ الفَهمِ وَالذَوقِ وَالفَنِّ

فَما اِستَشعَرَ المُصغي إِلَيكَ مَلالَةً

وَلا قُلتَ إِلّا قالَ مِن طرَبٍ زِدني

بِرَغمِكَ فارَقتَ الرُبوعَ وَإِنَّنا

عَلى الرُغمِ مِنّا سَوفَ نَلحَقُ بِالظَعنِ

طَريقٌ مَشى فيها المَلايِيِنُ قَبلَنا

مِنَ المَلِكِ الامي إِلى عَبدِهِ القَنِّ

تَظُنُّ لَنا الدنيا وَما في رِحابِها

وَلَيسَت لَنا إِلّا كَما البَحرُ لِلسُفُنِ

تَروحُ وَتَغدو حُرَّةً في عُبابِهِ

كَما يَتَهادى ساكِنُ السِجنِ في السِجنِ

وَزَنتُ بِسِرِّ المَوتِ فَلسَفَةَ الوَرى

فَشالَت وَكانَت جَعجَعاتٍ بِلا طَحنِ

فَأَصدُقُ أَهلِ الأَرضِ مَعرِفَةً بِهِ

كَأَكثَرَهُم جَهلاً يُرَجِّمُ بِالظَنِّ

فَذا مِثلُ هَذا حائِرُ اللُبِّ عِندَهُ

وَذاكَ كَهَذا لَيسَ مِنهُ عَلى أَمنِ

فَيا لَكَ سِفراً لَم يَزَل جِدُّ غامِضٍ

عَلى كَثرَةِ التَفصيلِ في الشَرحِ وَالمِنَنِ

أَيا رَمزَ لُبنانٍ جَلالاً وَهَيبَةً

وَحُصنَ الوَفاءِ المَحضِ في ذَلِكَ الحوسنِ

ضَريحُكَ مَهما يَستَسِرَّ وَبَلدَةٌ

أَقَمتَ بِها تَبني المَحامِدَ ما تَبني

أَحَبُّ مِنَ الأَبراجِ طالَت قِبابُها

وَأَجمَلُ في عَينَيَّ مِن أَجمَلِ المُدنِ

عَلى ذَلِكَ القَبرِ السَلامُ فَذِكرُهُ

أَريجٌ بِهِ نَفسي عَنِ العِطرِ تَستَغني

وفي الختام ندعو الله بالرحمة والمغفرة لكل أب كان الصديق الصادق لأبناءه، لكل أب كان  لا ينتظر مقابل أو مصالح مع أبنائه، لكل أب أفنى عمره من أجل أن تثمر شجرة ابنائه بالنجاح، لكل أب كان صمام أمان أسرته، لكل مربي راعى الله في تنشئة جيل جديد يرعى الله في حياته.

اقرأ أيضًا عبر قسم قصائد وأشعار

قصيدة قصيرة مكتوبة عن الأب

قصيدة قصيرة عن الأب والأم مكتوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى